الأربعاء، 8 يونيو 2016

مصنع كريمة للتمور يفصل130 عاملاً بسبب تراجع المصنع




هناك على منحنى النيل ينتظر موسم الحصاد (حش التمر) الصغار قبل الكبار شيباً وشباباً نساءً وأطفالاً ليحتفوا وفي جيبهم رزق من حصاد سنين انتظروها بفارق صبر بعضه نفد وبعضه لم ينفد، حصاد من كد ذراع تربال تحملها شمساً وحراً وبرداً وسهر الليالي الطوال ليكون الحصاد عنوانه المال الحلا ل، ولكن الحكومة قالت غير ذلك؛ بعد أن كانت الولاية الشمالية هي الولاية الاولى التى يعتمد عليها فى زراعة النخيل وتجارة التمور فى السودان بأكمله ، ولكن بعد ان بدأت الحكومة باستيراد التمور من الخارج وضعت تجار التمور على هامش المنافسة رغم جودة السلعة؛ حيث شهدت الولاية الشمالية هذا العام انخفاضاً مريعاً بنسبة فاقت توقعات الأهالى، ووصل سعر الجوال في العام 2012 الى مليون وهبط فى 2013 الى 800 وانهار فى 2015 و2016 حتى وصل جوال البركاوي 180 جنيهاً فقط ، فيما أرجعت جهات هذا الانخفاض المريع الى فقدان أهم مستهلك للتمور بانفصال الجنوب وتأثير انعدام الأمن بمناطق غرب السودان والذى أدى الى فقدان فرصة التصدير لدول غرب افريقيا، واعتبر البعض الأسباب السابقة فرعية، وإنما السبب الرئيس هو إغراق الحكومة للسوق باستيرادها لتمور من الخارج مثل (البرحي مثلا) وغيرها من انواع التمور الأخرى، وأن هناك مستثمرين عرب أغرقوا السوق بالتمور؛ مما أدى الى انهيار أسعار التمور المحلية.
دق ناقوس الخطر
(التيار) التقت بوالي الولاية الشمالية لإيجاد الحلول، والتقت بعدد من التجار والمزارعين والمواطنين الذين يعتمدون اعتماداً كلياً في حياتهم على زراعة وتجارة التمور التي أضحت تجارتها معاناة شهدها كل تجار التمور بالسودان، وتجار الولاية الشمالية على وجه الخصوص، وكل من يعتمد عليها في معيشته، وأمام مرأى ومسمع التجار أغرق السوق بتمور مستوردة من الخارج لا تساوي جودة التمور السودانية؛ لذلك انهارت تجارتها وامتلأت بها المخازن لسنوات ولا أحد يرغب في شرائها . السلعة التي كانت لا تخلو من كل بيت سوداني ولها وزنها بالسودان. إحباطاً كبيراً أصاب مزارعي النخيل الذين شرعوا في زراعة الموالح كبدائل تقيهم ضنك العيش؛ لأن التمور أضحت لا تساوي احتياجاتهم الحياتية آملين أن تقف معهم الجهات المسؤولة وكل المؤسسات، وأن ينقذوا هذه السلعة من الضياع .
لملمت أوراقي ثم اتجهت الى أماكن تجار البلح بسوق أمدرمان والذي تعج به مخازن التمور أشكالاً وأنواعاً منها تظهر عليها علامات الجودة، ومع ذلك الركود الذي أجبر التجار على تقسيم بعض منها في عبوات كراتين صغيرة لم تشهدها أسواق التمور من قبل، دخلت بعضاً من دكاكين التمور وتحديدا دكان الأستاذ احمد السر صالح- تاجر بلح بسوق امدرمان- وعضو اتحاد نادي ابناء جزيرة مساوي، التقيته فى دكانه الذي يعج بأنواع التمور(العاولة) منذ أعوام مضت فحدثني قائلاً: إن فى هذا الموسم رغم كثافة الإنتاج وجودته إلا أن سوق العمل أصبح راكداً وذلك لعدد من الأسباب؛ أولها: غلاء الأسعار بالنسبة للسلع الأخرى خفف من الإقبال على سلعة البلح، وموجودة فى مخازننا التمور لأكثر من ثلاث سنوات من 2013 وحتى 2015 موجود بالكميات الكبيرة، ومن الأسباب الأخرى: شح النقد لسياسة اقتصادية كبيرة لا نقدر أن نحصرها وأصبح الكاش معدوماً فى سوق التمور وأصبح السوق مليئاً بتمور أخرى مستوردة من الخارج ونحن نعاني ما نعاني من ركود السلعة. قديما كانت التمور توجد في أي بيت سوداني ولها طقسها الخاص في جلسات القهوة وكرم الضيوف، وأن التمر السوداني له مميزات تميزه عن التمور الأخرى. و النخلة عندنا في شمال السودان جزء أصيل لإنسان تلك الولاية ومهما تغير المناخ ستظل النخلة صامدة لا تزعزعها الظروف.
سوق التمور يحتضر
ثم حدثني قائلاً: إنه فى العام 2012 ارتفعت أسعار جوال البلح حيث كانت الافتتاحية بعد الحصاد لجوال البلح بـ 500 الى 800 الى أن وصل الـ 1000، وفى العام 2013 انخفضت الأسعار قليلا من 500 الى 600 وفى 2015 تدهورت الأسعار؛ حيث افتتحت بـ 300 وتدنت الأسعار حتى وصلت الآن
200الى 180 وفى العام 2012 وعندما وصل جوال البركاوي الى المليون اشترى التجار كميات كبيرة منه وخزنوها حتى أصبح السوق فارغاً من التمور فى ذاك العام وهذا ما أدى أيضا الى وفرة الإنتاج فى السوق وعدم تسويقها، وأيضاً من أسباب الركود التخزين غير الموجه.
أما الخليفة علي احمد عباس فتحدث متحسراً عن انهيار أسعار التمور قائلاً: أنا في رأيي ان أكبر عامل وراء انهيار التمور تكدس التمور في الولايات الوسطى وكساده؛ هو عدم سلامة الطرق المؤدية الى استهلاك التمور كالجنوب والغرب وغيرها، أما العامل الثاني فدخول أصناف مستوردة من الدول المجاورة الى داخل السودان في شكل إعانات او منظمات إغاثة؛ كدخول البلح من السعودية بكميات كبيرة . قديماً كانت الأسعار مرتفعة كان جوال البلح يعادل جوالي قمح، أما اليوم فجوال القمح الواحد بحوالي 4 جولات من التمر او يزيد على ذلك أما العامل الثالث فدخول أمراض متلفة للبلح السوداني؛ لأن قبل اليوم حصل انهيار في الجهة الشمالية خصوصاً دنقلا من دخول آفات أصابت البلح وعدم الاستعداد لمكافحتها أفسد السلعة. ورابعاً: الطرق غير آمنة والحركات المسلحة أصبحت مصدر قلق التجار الذين يقطعون المسافات الشاسعة لبيع التمور وأكثرهم لم يعودوا بعد . واليوم أصبح المزارعون يتجهون الى زراعة الموالح؛ لأن التمور أصبحت بلا قيمة، ولا يغطي إنتاج التمور معيشة الأهالي والمزارعين .
بعد الانهيار
بعد الركود الذى شهدته أسعار التمور اتجه أغلبية التجار لبيع اشياء أخرى من ممتلكاتهم الخاصة من قطع أراض وعربات وغيرها، فقال الأستاذ احمد من الأعوام السابقة بدأ العد التنازلي لسعر الجوال حتى انهار تماما فى هذا العام، وأن أغلبية التجار فى السوق لديهم أعباء كثيرة أخرى من مصروفات مدارس، وجامعات، اكل وشرب، وإيجار، وضرائب وزكاة وشحادين يلجأون الينا، وهذه أصبحت جلها على عاتق صاحب الدكان المتراكمة بضاعته من الأعوام السابقة وحتى الآن داخل الدكان.
ارفعوا الجبايات عن جوال البلح
على الحكومة أن تقوم برفع الجبايات عن جوال البلح الذى تأخذ فيه قيمة 35% من الانتاج، كان قديما يرحّل البلح من سوق امدرمان الى الجنينة مرورا بتشاد؛ وحتى افريقيا الوسطى و الكونقو وكل الدول المجاورة كانت تصلها تمورنا، وسبب رئيسي آخر هو أن الحكومة فتحت استيراداً جديداً غير صحيح، وخصوصاً من الدول العربية و(نحنا شايلين الهم هم البلد وهم أهلنا فى الشمال) وأصبحت هناك ثلاجات فى السوق للتمور، وأصبحت التمور تدخل الينا بالكونتينرات لذلك قل شراء السلعة .
والي الولاية الشمالية يعد التجار بالحلول
انتقلت الى موقع الحدث الولاية الشمالية وسوق كريمة تحديداً لألتقي تجار التمور هناك وبعضاً من الأهالي ومعرفة مزيد من الأسباب؛ وعندما عقد والي الولاية الشمالية مؤتمراً صحفياً في مدينة دنقلا للحديث عن الاستثمار في الولاية طرحنا عليه مشكلة التمور فأجاب قائلاً: هناك إشكالية في طريقة عرضنا لمنتجاتنا، وأن البلح يحتاج الى طريقة مختلفة لتصديره، وواحدة من العيوب طريقة حصادنا له، وعندما سألته اذا كان هناك مستثمرون عرب أغرقوا السوق بالتمور؛ لذلك أصبحت تمورنا مخزنة؟ أجابني قائلا: التمور التى تأتي من الخارج ليست بالكميات التى تؤثر في انتاجية تمورنا ولا حتى تخزينها مثل تخزيننا. سألته عن الحلول؛ فقال: أعددنا خطة عمل كبرنامج شامل للتمور، والآن ستقام بورصة للتمور ولابد لنا أن نصنع من البلح شيئاً آخر غير المشاريع التقليدية، مثلا نعمل منه مشروب مثل شامبيون .
من داخل سوق كريمة والتمور تتكدس في الحيشان
دخلت حوش التمر بسوق كريمة الذي يبدو عليه بؤس الحال، دهشت من الكم الهائل لجوالات البلح التي لا تجد من يرغب فيه رغم جودتها. المكاتب مغلقة لا أحد يجلس عليها؛ ففي هذا الحوش الكبير يوجد عاملان فقط كبيران في السن أحدهما يعبيء في جوالات جديدة، والآخر ينظف في التمور؛ ثم خرجت الى سوق كريمة لألتقي بالتجار فحدثني تاجر بلح قائلاً: ليس لدينا ما نقوله والمشكلة لا زالت متعسرة والتمور مكدسة في الحيشان بكمية هائلة والحكومة وحكومة الولاية الشمالية - تحديداً- على علم ودراية بأن التمور هى أساس معيشتنا هنا، وعليهم إيجاد حلول لنا بأسرع فرصة ممكنة .
مزارع يتمسك بالنخلة
سألت مزارعاً قلت له: هل هناك مزارعون اقتلعوا أشجار النخيل واستبدلوها بزراعة أخرى، مزارع يمتلك مزرعة نخيل؛ حدثني قائلاً: النخلة الباسقة منذ أجداد أجدادنا الأولين لا يمكن لى أن أقتلعها من الجذور، النخلة عنواني ومعاشي وغنائي ماضي وحاضري ومستقبلي، ولنا معها ذكريات وحنين هى وطني وعنواني، وعندما ضاق بنا الحال اتجه بعض من المزارعين لاقتلاعها من الجذور؛ ولكن البعض الآخر ظل صامداً أمام الظروف الاقتصادية الصعبة وترك النخلة شامخة كما كانت وسوف تكون .
تظافر جهود الأهالي
التاج محمد طه من جماعة الدليب الثقافية الفنية هى جماعة تهتم بثقافة منحنى النيل ولديها اهتمام بمعايش الناس أيضاً وتهتم جدا بإنسان المنطقة، قال: تدنى أسعار التمور لهذا العام وصفها التاج بأنها مأساة لأنها لا توجد موارد غيرها لأهلنا، ولم تكن هناك حركة تجارية لرفع الاسعار، سمحت الدولة للتمور من الخارج مثل البرحي مثلاً ومطروحة الآن تمور فى السوق، وهذه ألغت ظلالها على تمورنا، وهناك أناس يشككون بزراعة التمور نفسها؛ مثلاً ان يتجه المزارعون لزراعة أشياء أخرى مثل المنقة والبرتقال والليمون وغيرها من الموالح، وأنا أرى أن هذه الموالح موجودة فى أماكن أخرى وكثيرة فى السودان، واذا تركنا نحن فى شمال السودان على مناطق منحنى النيل السودان، لم تكون لديه إنتاجية تمور، وتعب أباؤنا الاولون فى زراعة النخيل، وهناك مساحات غرب النيل ممكن للناس أن يستثمروها فى زراعة الموالح، وهناك جوانب أخرى. إذا كان انفصال الجنوب والحرب الأهلية فى غرب السودان عائق لتجارة التمور فلماذا لا تقوم الدولة بإنشاء مصانع للتمور فى المنطقة هناك، وعندما قام سد مروي استبشرنا خيراً ومن المفترض ان تكون هناك مشاريع مصاحبة للسد، وأن يكون هناك نشاط صناعي يتفق مع النشاط الزراعي بما فيه التمور؛ ومقارنة بالتمور التى تأتينا من الخارج مثل البرحي؛ نحن معظم التمور الموجودة على مناطق منحنى النيل هى البركاوي والتمود والجاو والقنديلا وهناك انواع أخرى؛ لكن كلها من نوعية الجاو باختلاف الاسماء، والبركاوي يقبل التخزين فى أي وقت بدون وسائل التخزين العلمية المطلوبة؛ ولكن نوعية التمور التى تدخل إلينا لا تقبل التخزين؛ لأنها من الرطب وهناك بعض الناس، أشاروا الى أن السد غيّر المناخ ولكن لم يغير السد المناخ، ولا توجد إشكالية للتمور من حيث الكمية والجودة، وهناك آفات ممكن أن تغير فى الجودة؛ منها السوس، وهذا العام تحديداً لم تكن هناك مشكلة مواصفات، حبة التمر جيدة والإنتاج كبير والمشكلة هي تدني الأسعار، ومجتاجون أن تتضافر جهود المنتجين على الدولة، وأن نجد الحلول لمسألة التمور لان اهلنا هناك يعيشون عليها وأي بديل آخر سوف يكون مرهقاً جداً لأنه سيكلفه ليس أقل من 10 سنوات من المفترض أن ننهض بزراعة النخيل، ولابد أن نجد مخرجاً ولدينا اجتماع قادم لمناقشة قضية التمور .
خبراء قالوا
المسألة خطورتها تتلخص فى ثلاث نقاط: الأولى؛ ركود سوق التمور يؤدي الى فشل الموسم الشتوي، وذلك لأن المزارع يسوق البلح، ويشتري بعائده تقاوي الأرض، وتجهيز الأراضي من حراثة ونظافة وأسمدة استعداداً للموسم الشتوي، ركود فى سوق البلح يعني فشل الموسم الشتوي. ثانياً تخزين التمور بغرض زيادة فى الأسعار لعدة سنوات، والمشكلة الثالثة والأخيرة عند تدني الأسعار سيتجه المزارع نفسه الى زراعة بدائل أخرى مثل الموالح وإهمال زراعة النخيل.
مطالبات من المزارعين والتجار
اولا: إنشاء شركة مساهمة عامة بالشمالية هدفها الأساسي تسويق التمور.
ثانيا: إلغاء ضريبة المحاصيل المفروضة على المزارع والتجار.
ثالثا: وقف استيراد التمور فى موسم حصاد البلح المحلي.
والمطالبة الرابعة وقف استيراد البرحي المستورد من السعودية.
فصل 130 عاملاً من عمال مصنع التمور بكريمة
حدثني مدير مصنع كريمة للتمور الاستاذ عبدالعظيم عبدالرافع حسن، قائلاً: بدأ العمل 2011 بمصنع التمور بكريمة يشتغل على التمور المحلية ويشتري من ولاية نهر النيل والولاية الشمالية، وكنا نعمل المربة وغيرها وكان العمل مزدهرا ولكن تغير الحال، وأصبح هناك كساد على سوق العمل المحلي وكثرت التمور المستوردة.
ملاحظة: إن الحكومة لم تقف مع الإنتاج القومي المحلي وأثر ذلك على أسواق التمور فى كريمة ونوري والقرير والدبة وغيرها .
حدثتني عاملة من داخل مصنع كريمة للتمور بأن العمل أصبح ضعيفاً جداً ونحن نشتغل يوماً وباقي الأيام لا يكون لدينا عمل، نسبة لتدني أسعار التمور، علماً بأن التمور هي أساس معيشتنا هنا في الولاية الشمالية.
ماريا النمر 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اتفاقية لتحسين سبل كسب العيش بولايات دارفور

وقّعت المنظمة العربية للتنمية الزراعية اليوم بمقرها بالخرطوم اتفاقية تعاون مع برنامج الغذاء العالمي WFP التابع لمنظمة الأمم المتحدة لتعز...